الوقوف بعرفات

الوقوف بعرفات ركن من أركان الحج لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة وقد أجمعت الأمة على أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج فمن تركه أو أخره عن وقته فقد فاته الحج اجماعا.
وللوقوف بعرفة شرطان متفق عليهما:
أحدهما: أن يكون الوقوف في أرض عرفات، الثاني: أن يكون الوقوف في زمان الوقوف وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم عرفة وليلة العاشر من ذي الحجة إلى طلوع الفجر، فمن طلع عليه الفجر ولم يقف في شيء من عرفة فقد فاته الحج.
والواجب في الوقوف بعرفة هو الجمع بين الليل والنهار لمن وقف بها نهارا، بأن يستمر إلى أن تغرب الشمس وهذا هو الراجح عند العلماء، ويجزئ الوقوف بعرفة ليلا لمن لم يستطع أن يأتيها نهارا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من جاء ليلة جمع يعني ليلة مزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج”.
ومن سن الوقوف بعرفة الاغتسال لما ورد عن الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه لما سئل عن الغسل يوم عرفة قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر.
ويسن في يوم عرفة الخطبة بعد الزوال قبل الصلاة، ويسن كذلك أن يجمع الحاج بين صلاتي الظهر والعصر تقديم بأذان وإقامتين اتباعا للسنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ويسن كذلك أن يكون الحاج طاهر مدة الوقوف بعرفة، ويسن كذلك أن يقف قرب جبل الرحمة عند الصخرات الكبار المفروشة عند الجبل، ولا يشرع صعود الجبل اجماعا عند العلماء.
ويستحب في يوم عرفة الاكثار من أعمال الخيرات بأنواعها من العبادات والاذكار وقراءة القرآن والصدقات لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه – يعني أيام العشر، قالوا ولا الجهاد قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء”.
وقد وردت في فضل يوم عرفة أحاديث وآثار منها عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه …. بهم الملائكة فيقول: ما أراء هؤلاء”، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت انا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: أنظروا إلى عبادي … جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفه، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام …. الحديث.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفه يوم جمعة”.
ويسن للواقف بعرفه الإكثار من الدعاء والتهليل والتلبية والاستغفار والتوبة والتضرع وقراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه وظيفة هذا اليوم، ولا يقصر في الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه، ويكثر من هذا الذكر والدعاء قائما وقاعدا ويرفع يديه في الدعاء.
وليدع لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأحبائه، وسائر من أحسن إليه وسائر المسلمين، وينبغي أن يكرر الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الندم بالقلب وأن يكثر البكاء مع الذكر والدعاء، فهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترتجي الطلبات، وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم وهو أعظم مجامع الدنيا.
ويسن لغير الحاج صوم يوم عرفة أما الحاج فيكره له الصيام لأن الصيام يضعفه عن الوقوف بعرفات وإتمام المناسك في ذلك اليوم وليلته وذلك لما روت أم الفضل ابنة الحارث رضي الله عنهما “أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب”، أما غير الحاج فقد اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم عرفة لما روى أبو قتادة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.
وحدود عرفات معروفة الآن بعلامات تبين حدودها ويجب على الحاج أن يتنبه لها لئلا يقع وقوفه خارج عرفة، فيفوته الحج، أما جبل الرحمة ففي وسط عرفات وليس نهاية عرفات، ويجب كذلك التنبيه إلى مواضع ليست من عرفات يقع فيها الالتباس للحجاج وهي وادي عرفة، ووادي غرة، وكذلك مسجد غرة فإنه ليس من عرفات وإن من واقف به لم يصح وقوفه، وقد توسع هذا المسجد كثيرا في عصرنا وفي داخل المسجد علامات تبين للحجاج ما هو من عرفات وما ليس منها ينبغي النظر إليها.

 

Scroll to Top