يسرد علينا د. خالد المذكور مشاهد من احدى رحلاته التي لا ينساها، فيقول: في بداية التسعينيات عندما تمزق الاتحاد السوفييتي واستقلت البلاد المستعمرة من قبل روسيا وكانت بلاد إسلامية مثل أوزبكستان، أذربيجان، قيرغيرستان، تركمانستان وغيرها، دعاني الأخ عبد العزيز البابطين وكانت لديه لجنة علمية لكي نذهب إلى هذه البلاد لأخذ طلاب لتدريسهم في الأزهر أو لإيفاد بعثة أزهرية لتدريسهم في بلادهم وخاصة ان هذه البلاد التي استقلت كانت بلادا عريقة فيها المحدثون والمفسرون والفقهاء ومنهم الإمام البخاري وغيره من علماء الحديث والفقه والتفسير.
وكانت رحلتنا بالإضافة إليه كان هناك الأخ عبد العزيز عبد الرزاق المطوع ود. عبد الله محارب وكان مستشارا ثقافيا في سفارة الكويت في القاهرة ود. أنور المستشار الثقافي في سفارتنا بروسيا وقد استأجر الأخ عبد العزيز جزاه الله خيرا طائرة اخذتنا من موسكو لزيارة هذه البلاد والتعرف عليها وكانت ولا زالت بعد استقلالها من الاتحاد السوفييتي تحت تأثير الروس تعليميا وثقافيا ولغة.
وأردنا ان نعلم من تخرج في الجامعة او من يدرس في المدارس الثانوية لتعليمهم اللغة العربية وكذلك لتعليمهم مبادئ الدين الإسلامي بعد فترة عصيبة مظلمة من الحكم الشيوعي للبلاد، وقد سبقتنا بعثات من تركيا من اجل انشاء معاهد ومدارس في هذه البلاد، ومن الأمور التي جعلت قلبي يتمزق حزنا ودموعي تنزل ما ذكره لي والد مسن في قرية من قرى أوزبكستان عندما سألته عن القرآن والصلاة فقال: كنا خلال الحكم الشيوعي لا نستطيع ان نقيم صلاتنا أو نقرأ القرآن إلا سرا وفي الليل سألته كيف تحصلون على نسخة من القرآن الكريم قال: كنا نتبادل في الليل نسخة واحدة حتى لا يسمع صوتنا احد، وكنا نعلم أولادنا بعد انتهاء دراستهم ليلا القرآن ونحفظهم سورة منه لأنهم في مدارسهم لا يدرسون الأديان سواء الدين الإسلامي أو غيره، وكذلك المناهج كلها إلحادية ليس لها علاقة بالله، ونريد أن نحفظ عليهم دينهم وتراثهم، وجاء احد احفاده يقرأ القرآن بشكل عذب وبتجويد سليم وبصوت رخيم فدمعت عيني وقلت ان هذا الدين الذي أراد الملاحدة ان يمحوه من القلوب في بداية القرن ما زال ينمو في قلوب الاحفاد، وكلمت الأخ عبد العزيز ان يأخذه ووعد اباه انه بعد اكتمال دراسته يلتحق بالأزهر، حيث كان عمره 12 سنة ومن الأمور العجيبة التي رأيتها في بعض القرى، عندما أراد البابطين إلحاق البنات اللاتي انهين الدراسة الثانوية للجامعات السعودية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة فرأيت عجبا ان الاهل لا يوافقون على سفر بناتهن بمفردهن حتى لو كانت للدراسة في مكة محافظة عليهن وانهن لا يخرجن من قريتهن إلا مع محرم.
قلت سبحان الله مع هذا الإلحاد وعدم التدين يحافظون على اعراضهم وتقاليدهم المأخوذة من الدين الإسلامي.
ومن العجائب اننا ذهبنا إلى احد المسؤولين الاوزبكستانيين وكان هذا المسؤول مقدم في الحزب الشيوعي في موسكو، ولما توفي ابوه وهو في موسكو يقول: كنت ملحدا ووصلت إلى مرتبة كبيرة في الحزب الشيوعي وتوفي والدي المسلم وانا أيضا مسلم لكنني درست الشيوعية وأصبحت ملحدا، يقول قرر المسؤولون ان يقيموا لوالدي جنازة عسكرية باعتبار انني قائد وتمت الجنازة بأعلام وموسيقى وغيره وبعد انتهاء الجنازة أخذت الجنازة لدفنها في بلدي في أوزبكستان يقول: ولما وصلت إلى القرية جاء مشايخنا كبار السن يستقبلون الجنازة وأخذوا النعش واخرجوا الجثة وغسلوها وكفنوها وصلوا عليها وانا معهم ولا اعرف كيفية صلاة الجنازة ولكن شعرت ان الجنازة العسكرية التي اقاموها لوالدي لا تساوي شيئا، وان هذه الجنازة وما رأيتهم من اخراج جثة والدي وغسلوها وكفنوها والصلاة عليها شعرت بالعلاقة التي تربطني بالله سبحانه وتعالى وشعرت وهم يصلون وانا واقف معهم ولا ادري ماذا أقول واسمع الله أكبر، الله اكبر، شعرت بالأيمان يدخل قلبي والدموع تنزل من عيني وبأني لا أستطيع الكلام، وبعد ان تم دفن والدي وتجمع الناس يدعون له، قلت الحمد لله الذي هداني لديني وأبعدني عن الإلحاد.
هذه من العجائب التي رأيتها في بداية التسعينيات بعد انفصال هذه البلاد عن الاتحاد السوفييتي.
جريدة الأنباء