“المذكور” لكل زمان ومكان
هذا الرجل طالما كسب احترامي في فتاواه ومواقفه من القضايا الإسلامية المعاصرة، وآخرها حول مشروعية ممارسة العادة السرية، وقرن الجواز بالحاجة الملحة إلى تسكين الشهوة، على حد تعبيره وليس لاستدعائها. وعلى الرغم من حساسية الموضوع فإن الشيخ خالد المذكور، كما اعتدنا في فتاواه التزم الدين الصالح لكل زمان ومكان، وذلك بالتطبيق العملي متفوقا بذلك على بعض المشايخ الذين يحرمون من دون إعطاء البدائل، وهؤلاء ينفر منهم الناس وان تبعوهم بعض الوقت. ان لقضية الاشباع الجنسي ابعادا حقيقية والحوار حولها امر ملح احترم كل من يبادر لفتحه للمصلحة العامة، واذكر عندما كنا في الجامعة كيف ان التطرق إلى تفاصيل سطحية لقضية طبيعة جسم المرأة كانت حمر لها الوجوه وهذا طبيعي، ولكن ماذا نفعل إذا كان الجهل بالمعرفة سينتج عنه انحراف سلوكي؟ فبرزت الضرورة لتدريس مناهج تتعلق بالتربية الجنسية دينيا ونفسيا واجتماعيا وروحيا والضرورات تبيح المحظورات. لقد ضرب “المذكور” مثلا للنضج المطلوب للمفتي المسؤول عن صلاح الامة، وهو واقعي لم يحرم بأطلاق ولم يبح بأطلاق أيضا، وحتى بالنسبة للمحصنين من الاناث والذكور، أي المتزوجين، فقد ترك التقدير لحاجة الانسان التي لا يمكن أن يقدرها أحد على ان يتقي الله دائما في اختياره لفعله، واضعا القاعدة الشرعية ان الاجازة مقرونة بالحاجة منعا للمفسدة الكبرى وهي الزنا. ولو فصلنا قضية شخصية الانسان لوجدناها اثنتين: واحدة بقناع اجتماعي وأخرى عارية لا يعرفها سواه، لذلك فان القناع قد يخدع الناس، ولكن باختلاء مع الذات، يجب أن يفتح الحوار مع النفس ومعرفة حاجاتها، وكيف تشبع، وكما جاء في القرآن الكريم “ونفس ما سواها فألهمها فجورها وتقواها” فأن النفس تحرك الانسان، اما باتجاه الروحانيات والارتفاع على الحاجات بالتأمل وخدمة المجتمع وصرف الاهتمام إلى التنفيس النافع للطاقة، او انها تؤكد الحاجة الجنسية وتدفع الانسان إلى البحث عن وسائل اشباعها، وفي كل الأحوال فأن الطاقة الجنسية يمكن ان تهذب ولكنها لا يمكن ان توأد، فهكذا فطرنا الخالق ولا مبدل لفطرته. وان كان الزواج هو الحل للفطرة الإنسانية هذه، فإن “المذكور” قريب من المجتمع، ويعرف جيدا ان هناك الكثير من الحواجز امام الزواج الإسلامي الصحيح، سببها تفوق قوة العادات والأعراف على قوة الدين والايمان. فالدين الإسلامي دعا المجتمع المسلم إلى تزكية النفس والتقوى، وخوف الله رهبة ورغبة والاخذ بأسباب تدعيم الاسرة المسلمة، بأن تتم العلاقات الزوجية على أسس الدين لا الدنيا ولكن الواقع يعكس النقيض تماما وفي اغلب الأحوال. ولو اتبع الناس في الكويت قول الله ورسوله من دون شروط في الزواج لما وصل المجتمع الكويتي إلى حال التمزق الكبير، في نسيجه الاسري، والذي نتجت عنه ارقام من المطلقين والمطلقات والاسر المتصارعة حتى ان لم تنته إلى الطلاق، وتشتت الأبناء في الموضعين، فحظ الأبناء من اسر مطلقة في السلامة النفسية أفضل بكثير من حظ أبناء الاسر المتصدعة طبقا للإحصاءات. قد ينظر البعض للزواج على انه اشباع اجتماعي وصورة وواجهة أكثر من كونه علاقة بين اثنين في عقد غير محدد المدة، لذلك عندما تسقط الأقنعة الاجتماعية ويسدل الستار على مسرحية الشكليات، وينفرد كل بالآخر في معترك حياة مقبلة يصبح الواقع هو العدو الأول للزوجين، فهما يقبلانه على الرغم من رفض البعض له لانكشاف حقيقة مهمة تتضح من الأيام الأولى بين الزوجين وهي عدم الانسجام. والواقع الذي فهمه “المذكور” بين المتزوجين والذي يدفع للبحث عن الاشباع الجنسي بأسلوب غير طبيعي يأتي من حالات واسئلة كثيرة مرت عليه حول الانسجام الجنسي بين الزوجين، وقد كان فهمه ومعالجته مؤشرين لحقيقة على المجتمع الانتباه إليها قبل الدخول في تجربة الزواج، وهذه الحقيقة هي ان الزواج مؤسسة وشراكة ومشروع يبدأ بشريكين ولا يعرف كم شريك جديد سيصبحون جزءا منه، وانه المكان الذي يحقق السكن والرحمة والمودة، وانه الملجأ من الهموم الحياتية والمنفس عن ضغوط العمل. والاهم في نجاح هذا المشروع هما الشريكان المؤسسان، الزوج والزوجة، فمتى ما صلحت العلاقة بينهما ساد الانسجام ارجاع المؤسسة كاملة وان فسدت العلاقة او هاجمها التسوس، فسيتم ترقيع السن بنخرها وحشوها ولكنها مع الوقت ستصبح مقاومتها ضعيفة جدا امام أي تسوس جديد، ويصبح خلعها هو الحل. الاسنان واجهة الوجه الجميل، وكلما كان الانسان واعيا في اختياراته لتتطابق مع حاجاته الشخصية وليس مع حاجة قناعته الاجتماعية نجح مشروعة الزواجي، فلا تجعلوا وجه المجتمع الكويتي مثل العروس ليلة عرسها، كل شيء فيها غير طبيعي، وإذا ابتسمت في وجه الزوج صباحا ظهرت اسنانها المتسوسة والتي تنتظر الخلع. خلود الخميس



