حبس المال الخاص على خدمة المصالح العامة

نظرة إنسانية لحضارة الإسلام تعكس الاهتمام بالفقراء

 

أوضح رئيس اللجنة الاستشارية العليا لتطبيق الشريعة د. خالد المذكور أن الوقف أمر مشروع بالأجماع بين علماء الأمة، وسنة عند الجمهور الذين استدلوا على ذلك بقول الله تعالى: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” (92- آل عمران) وقول النبي ﷺ “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.

مشيرا أن الوقف في اللغة يعني الحبس، وفي الشرع معناه حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه.

وبين د. المذكور في دراسة عن فقه الوقف ان صفة الوقف عند الامام ابي حنيفة غير لازم ويجوز الرجوع عنه، وعند جمهور العلماء خلاف ذلك، فهو ان صح لزم ولا ينفسخ بإقالة ولا غيرها.

ويضيف د. المذكور: ويرى جمهور العلماء ان الوقف ينتقل من ملك الواقف، ولا تدخل اعيانه في ملك الموقوف عليه بل تنتقل ملكيته إلى الله تعالى فلا يجوز لاحد التصرف في اعيان الوقف سواء بالبيع أو الهبة أو الإرث، وانما تكون غلات الوقف ومنافعه على الموقوف عليهم والدليل على ذلك ان النبي ﷺ أشار إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان يحبس عين الوقف ويتصدق بثمراته (كما في صحيح البخاري ومسلم).

وبين د. المذكور ان شروط صحة الوقف عند الاحناف سبعة منها: “كونه من مالك جائز التصرف، وكون الموقوف عينا يصح بيعها وينتفع بها نفعا مباحا مع بقاء عينها وكونه على جهة بر وقربة كالمساكين والمساجد، وكذلك كونه على معين غير نفسه يصح ان يملك فلا يصح على مجهول، وكون الوقف منجزا فلا يصح تعليقه إلا بموته.

وان يقفه على التأييد، فلا يصح وقفه شهرا ونحوه، وان لا يشترط فيه ما ينافيه كأن يشرط فيه خيارا أو يشرط أن يبيعه أو يهبه.

وأشار د. المذكور إلى أركان الوقف وشروطها فقال:

للوقف أربعة أركان: الصيغة، والواقف، والموقوف عليه، والمال الموقوف.

ويرى الحنفية أن ركن العقد هي الصيغة وحدها، والصيغة هي اللفظ المشعر بالمقصود، أو ما يقوم مقام اللفظ: كإشارة الأخرى المفهمة أو كتابته.

ولابد من الصيغة لصحة الوقف وانشائه.

واقام الحنابلة الفعل مقام اللفظ إذا اقترن بدليل يدل على المقصود، كان يبني بيتا على هيئة المسجد، ويأذن اذنا عاما بالصلاة فيه، فيكون بذلك وقفا.

على أن الصيغة لها قسمان “صريحة، وكتابة” فالصريحة: هي التي لا تحتمل إلا المعنى المقصود، كأن يقول: وقفت داري هذه على الفقراء، او حبستها لهم، ومثل هذه الصيغة لا تحتاج إلى نية لصحة الوقف، شأنها شأن كل لفظ صريح في العقود.

أما الكناية، فهي اللفظ الذي يحتمل مع المعنى المراد غيره، كأن يقول: مالي صدقة على الفقراء والكناية لابد لأنشاء الوقف بها من النية.

 

شروط الوقف

وشروط الوقف صريحة كانت، أم كناية هي:

ان نكون لفظا من ناطق يشعر بالمراد، او كناية، أو إشارة مفهمة من أخرى مفصحة عن المقصود، أو فعلا مقترنا بقرينة يدل على المراد، وهذا عند الحنابلة.

وان تكون الصيغة خالية من التوقيت، فإن قال: وقفت داري هذه على الفقراء سنة بطل الوقف، لعدم صحة هذه الصيغة، لوجود التوقيت فيها، وذلك أن مقتضى الوقف التأييد، والتوقيت ينافيه، ولأن الوقف اخراج مال على سبيل القربة، فلم يجز إلى مدة كالعتق.

وقال د. المذكور: لكن بعض العلماء استثنوا من شرط التوقيت المساجد، والمقابر وما يجري مجراهما مما يشبه تحرير الرقاب، ويضاهيه، فحكموا بصحة الوقف، والغوا شرط التوقيت رغبة في تصحيح الصيغة ما أمكن، فلو قال: وقفت ارضي هذه مسجدا سنة صح الوقف، وكأن مؤبدا، ولغا الشرط.

وبيان مصرف الوقف: فلو قال: وقفت ارضي – ولم يبين المصرف لم ينعقد الوقف لعدم معرفة الجهة التي وقف عليها.

والشرط السابق: تجوز الزيادة من القاضي على راتب الامام المعلوم إذا كان لا يكفيه وكان عالما تقيا.

وقال المالكية: يجب اتباع شرط الواقف ان جاز، ولو كان مكروها، ولم يمنع شرعا، فإن لم يجز لم يتبع، فإن اشترط تخصيص الغلة لأهل مذهب من المذاهب الأربعة، أو بتدريس فئة من مدرسته، أو بتخصيص امام في مسجده، او تخصيص ناظر اتبع شرطه لأنه جائز.

 

توزيع ريع الوقف

أن ريع الأوقاف، وغلاتها وثمراتها تصرف وتوزع حسب نصوص الواقفين، وشروطهم المعتبرة شرعا، وليس لأحد مخالفة ذلك، لهذا قال العلماء: “شرط الواقف كنص الشارع”.

قال ابن عابدين (رد المحتار 3/361): ان شرائط الوقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع، فله ان يجعل ماله حيث شاء، ما لم يكن معصية، وله ان يخص صنفا من الفقراء، ولو كان الوضع في كلهم قربة.

غير أن الفقهاء جعلوا الولاة الأمر على الوقف مخالفة شرط الواقف استثناء في بعض الحالات، إذا توافر شرطان: أولهما: ان تقوم مصلحة معتبرة تقتضي مخالفة شرطه.

وثانيهما: ان يرفع الأمر إلى القضاة، ليصدر القاضي الاذن بالموافقة على هذه المخالفة، باعتبار ولايته العامة.

 

عدم إمكانية التصرف

كما بين ان اعيان الأوقاف ملك لله تعالى، لا تدخل في ملك أحد، ولا يصح بيعها أو التصرف فيها ما دامت صالحة للغرض منها، أما إذا عدمت منافعها أو خربت اعيانها، وأصبحت عالة على الامة ومصالحها، فإن المذاهب – والحالة هذه – قد اختلفت انظارهم بين موسع، ومضيق، ولعل أولى المذاهب بالاعتبار هنا مذهب الامام احمد، فإنه قضي بجواز بيع الوقف، واستبداله في حالة الضرورة.

وعن الشروط التي يجب ان تتوافر في الواقف قال د. المذكور: يشترط في الواقف حتى يصح وقفه شرعا ان يكون متمتعا واهلا للحرية، فلا يصح وقف الرقيق، لأنه لا ملك له، بل هو ملك لسيده، والعقل فلا يصح وقف المجنون، والمعتوه، ومختل العقل، والبلوغ، فلا يصح وقف الصبي، كذلك الاختيار، فلا يصح وقف الكره، والرشد، لأنه لا يصح وقف المحجور عليه بسفه، او فلس، أو غفلة، ولو أجاز الولي أو الوصي تصرفه.

وهذه الشروط كلها ترجع إلى أهلية التبرع، فمن كان اهلا للتبرع صح وقفه، وإلا فلا.

 

وقف الدين

واما عن وقف المدين قال د. خالد المذكور: لقد فصل الحنفية وقف المدين وبينوا انه إذا كان الدين غير مستغرق لماله، ووقف ما زاد على ما يفي دينه، فوقفه صحيح نافذ لعدم مصادمته حق الدائنين.

اما إذا كان الدين مستغرقا لما له توقف نفاذ وقفه على إجازة الدائنين، سواء حجر عليه، أم لم يحجر عليه، فإن اجازوه نفذ الوقف، وان لم يجيزوه بطل.

وأما عن وقف الشخص المريض فقال:

إذا كان المرض مرض موت، فإن وقف المريض محسوب من ثلث التركة، فما دونه، فإذا وقف ما كان ثلث التركة أو ما كان دونه نفذ وقفه، وإذا كان فوق الثلث توقف على إجازة الورثة، فإن اجازوا الزيادة صح الوقف ونفذ، وإلا بطل في الزائد على الثلث فإن لم يكن له ورثة نفذ وقفه في الكل عند الحنفية والحنابلة، وبطل في الزائد عند المالكية والشافعية لعدم وجود من له حق الاجازة.

اما إذا وقف الرجل الصحيح المستوفي لشروط الوقف صحيح ونافذ، سواء كان بكل ماله، أو ببعضه، وسواء كان له وارث، ام لم يكن، لكنه يكره ان يقف كل ماله إذا كان له ورثة، ولا سيما إذا كان فيهم محتاج، عملا بقول النبي ﷺ: “إنك ان تذر ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس” (رواه مسلم)، واستشهد بما جاء في “الموسوعة الفقهية” 26/1337 “التصدق بكل ماله”: يستحب ان تكون الصدقة بفاضل عن كفايته، وكفاية من يمونه، أو يعوله وان تصدق بما ينقص مؤنة من يمونه اثم، ومن أراد التصرف بماله كله، وهو يعلم من نفسه حسن التوكل، والصبر عن المسألة فله ذلك، وإلا فلا يجوز.

كما يكره لمن لا صبر له على الضيق ان ينقص نفقه نفسه عن الكفاية التامة، وهذا ما صرح به فقهاء الحنفية.

وقال المالكية: ان الانسان ما دام صحيحا رشيدا له التبرع بجميع ماله على كل من احب.

قال في الرسالة: ولا بأس ان يتصدق على الفقراء بماله كله لله.

وقال ابن قدامة: الأولى ان يتصدق من الفاضل عن كفايته، وكفاية من يموته.

 

الورثة

وعن مدى حرية الواقف في حرمان بعض الورثة قال د. المذكور:

الواقف إذا كان اهلا للتبرع، كان حرا في التصرف بماله حال حياته، ولا حق لأحد من الورثة في ماله، ما عدا حق النفقة الواجبة لمن يستحقها، لكنه يكره، وقيل يحرم ان يفضل بعض الورثة على بعض في الهبة، أو الوقف، وإذا أراد بالوقف الاضرار بالورثة كان حراما، قياسا على الوصية.

قال تعالى: “غير مضار وصية من الله” (النساء: 12).

جاء في “منار السبيل”: ويكره في الوقف ان يفصل بعض أولاده على بعض لغير سبب، لأنه يؤدي إلى التقاطع، وبقوله ﷺ في حديث النعمان بن بشير: “اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم” قال: فرجع ابي في تلك الصدقة “رواه مسلم”.

فأن كان لبعضهم عيال، او به حاجة او عاجز عن الكسب أو خص المشتغلين بالعلم، أو خص ذا الدين والصلاح فلا بأس بذلك.

اما الموقوف عليهم وهم الأشخاص، او الجهة الذين كان الوقف لمصلحتهم فهما قسمان: معين: واحدا فأكثر وغير معين كالوقف على الجهات كالفقراء مثلا.

ولكل قسم منهما شروط.

 

شروط الموقوف عليه

امكان تمليكه عند الوقف عليه، وذلك بأن يكون موجودا في واقع الحياة فلا يصح الوقف على ولد له والواقع انه ليس له ولد عند الوقف، وكذلك لو وقف على الفقراء من أولاد فلان، ولا فقير فيهم عند الوقف فهذا الوقف غير صحيح.

وقبوله الوقف، وشرط هذا القبول ان يكون متصلا بالإيجاد فإذا قال الواقف: وقفت داري على خالد، فقال خالد: قبلت صح الوقف، وان رده بطل.

وشروط الموقوف عليه غير المعين كالفقراء والمساجد، والمدارس وطلاب العلم شرط واحد، وهو ان لا يكون في ذلك الوقف وقف على معصية من المعاصي، لأن الوقف يكون عندئذ اعانة على فعل المعاصي وتثبيتا لها والوقف انما شرع للتقرب إلى الله تعالى فهو والمعصية ضدان لا يجتمعان.

وشرط الحنفية ان تكون الجهة تظهر فيها القربة، فلم يجيزوا الوقف على الأغنياء وحدهم، لأنه لبس بقربة، واجازه الشافعية لأنه ليس بمعصية.

وبناء عليه فإنه لا يشترط ان تكون جهة البر، الموقوف عليها موجودة عند الوقف ما دامت معلومة للواقف عند انشاء الوقف.

اما القبول من الموقوف عليه، فليس ركنا في الوقف عند الحنفية على المفتي به، والحنابلة كما ذكر القاضي أبو يعلي، ولا شرطا لصحة الوقف، ولا للاستحقاق فيه، سواء أكان الموقوف عليه معينا، أم غير معين، فلو سكت الموقوف عليه، فإنه يستحق من الوقف، فيصير الشيء وقفا بمجرد القول، لأنه إزالة ملك بمنع البيع والهبة، والميراث، فلم يطلب فيه القبول، كالعتق، لكن إذا كان الموقوف عليه معينا: كالوقف على خالد أو محمد، ورد الوقف، فلا يستحق شيئا من ريع الوقف، وانما ينتقل إلى من يليه ممن عينه الواقف بعده متى وجد فإن لم يوجد عاد الموقوف للواقف، أو لورثته أن وجدوا وإلا فلخزانة الدولة، ولكن لا يبطل الوقف برده، ويكون رده وقبوله واحدا كالعق، لان ركن الوقف وهو ايجاب الواقف قد تحقق.

وقد اخذ القانون المصري (م9) رقم 48 لسنة 1946 بهذا الرأي: حيث لم يجعل القبول شرط للاستحقاق والمادة 17 بينت حالة انتهاء الوقف، ولكن قال الحنفية: لو وقف لشخص بعينه، تم للفقراء اشترط قبوله في حقه، فإن قبله فالغلة له وان رده فللفقراء ومن رده أول الامر ليس له القبول بعده.

وقد اشترطت المادة التاسعة المذكورة قبول الممثل القانوني إذا كان الوقف على جهة لها من يمثلها قانونا، كالأزهر أو الجامعة وهذا من قبيل سد الذرائع امام تدخل الواقفين بشؤون هذه الجهة، أو محاولة السيطرة عليها لأغراض معينة، بقصد العبث والفساد، فإن لم يقبل من يمثل الجهة انتقل الاستحقاق لمن يليها متى وجد وان لم يوجد أصلا أخذ الموقوف حكم الوقف المنتهي المبين في المادة 17.

 

أنواع الوقف

وعن أنواع الوقف قال د. المذكور ينقسم الوقف بحسب الجهة الموقوف عليها إلى قسمين: وقف اهلي أو ذري، ووقف خيري.

وبين ان الوقف الذري هو الذي يوقف في ابتداء الامر على الواقف نفسه، أو أي شخص أو أشخاص معينين، ولو جعل آخر لجهة خيرية، كأن يقف على نفسه ثم على أولاده، ثم من بعدهم على جهة خيرية.

ان الكثرة الكاثرة من الفقهاء على جواز الوقف على الذرية سواء كانوا وارثين أم غير وارثين ما دام الواقف لم يقصد بوقفه تفضيل بعض الورثة على بعض بغير حق، فعمله مأجور، لأن الصدقة على القرابة صدقة وصلة، ودليل ذلك ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل وقفه في الفقراء وذوي القربى.

وقد أشار النبي ﷺ على ابي طلحة الانصاري ان يجعل صدقته الموقوفة على الاقربين له.

وقد نص القانون المصري (م1) رقم 180 لسنة 1952م والقانون السوري لسنة 1949م على انتهاء أو الغاء الوقف الأهلي لتصفية مشكلاته المعقدة.

اما الوقف الخيري، وهو الذي يوقف في اول الامر على جهة خيرية، وهذا الوقف ليس هناك خلاف بين العلماء في شرعيته وانه قربة عظيمة وفضيلة لها مكانتها ودورها في بناء الخير واستمراره.

واما إذا كان الوقف على موجودين إلا أنه منقطع الآخر، وذلك مثل ان يقول: وقفت هذه الدار على اولادي، أو على زيد ثم نسله، ولم يزد على ذلك صح الوقف، لان مقصود الواقف القربة والدوام، فإذا بين مصرفه ابتداء سهل ادامته على سبيل الخير، فإذا انقرض المذكورون بقي وقفا، ويصرف هذا الوقف إلى أقرب الناس للواقف يوم انقراض المذكورين لان الصدقة على الأقارب من أفضل القربات.

وإذا كان الموقف منقطع الوسط، مثل ان يقول: وقفت هذه الدار على اولادي، ثم رجل، ثم الفقراء صح الوقف: لوجود المصرف في الحال، والمال لكنه بعد أولاده يصرف للفقراء لا لأقرب الناس إلى الوقف، لعدم معرفة امد الانقطاع (مفتي المحتاج 2/384).

والمال الموقوف كما يقول د. المذكور يشترط فيه ان يكون المال الموقوف عينا معينة، فلا يصح وقف المنافع وحدها دون اعيانها.

وان يكون الموقوف مملوكا للواقف ملكا يقبل النقل، ويحصل منه فائدة أو منفعة.

ودوام الانتفاع بالموقوف فلا يجوز وقف الطعام ونحوه مما لا تكون فائدته إلا باستهلاكه.

والمقصود بدوام الانتفاع بالموقوف الانتفاع النسبي، لا الابدي، أي انه يبقى مدة يصح الاستئجار فيها، فلو وقف سيارة او دابة صح هذا الوقف وان كانت السيارة او الدابة لا تبقى منفعتها ابدا.

هذا ولا يشترط الانتفاع بالموقوف حالا، بل يكون بالانتفاع به ولو مالا فلو وقف دابة صغيرة أو شجرا صغيرا صح الوقف، لأنه يمكن الانتفاع به بعد حين.

وان تكون منفعة الموقوف مباحة لا حرمة فيها، فلا يصح وقف ما كانت منافعة محرمة، كالات اللهو، لأن الوقف قربة والمعصية تنافيه وبناء على هذه الشروط فأنه يصح وقف العقار، والمنقول والمشاع والمفرز وغيرها مما يتصور الانتفاع به مع بقاء عينه وعن الحكم الشرعي للإيقاف على جهة بر لم تكن موجودة وقت الإيقاف، ثم وجدت بعده يقول د. المذكور: لم يشترط جمهور العلماء في الوقف على جهة بر الا شرطا واحدا وهو ان تكون الجهة معلومة يظهر فيه البر، ويحتسب الاتفاق عليها قربة لله تعالى، وقال الشافعي: ان تكون معلومة لا تظهر فيها المعصية ولو وقف على الأغنياء صح وقفه، لعدم المعصية، وزاد أبو حنيفة ويحمد ان تكون الجهة دائمة الوجود لا يتصور انقطاعها لأن التأييد شرط جواز الوقف، ونسميه جهة تنقطع توقيت للوقف معنى، فيمنع الجواز، ولأنه يصبح حينئذ وقفا على مجهول، فلم يصح كما لو وقف على مجهول في ابتداء الوقف.

والوقف الدائم من حيث الاتصال والانقطاع.

الموقف المؤبد إذا انقطع الموقوف عليه في حلقة من حلقاته أو اتصل أربعة أنواع.

أ- ان كان معلوم الابتداء والانتهاء غير منقطع، مثل: الوقف على المساكين أو على طائفة لا يجوز بحكم العادة افتراضهم صحيح بالاتفاق.

اما ان كان منقطع الابتداء والانتهاء، كالوقف على ولد ولا ولد له، فالوقف باطل، لان الولد الذي لم يخلق لا يملك، فلا يفيد الوقف عليه شيئا.

ب- ان كان متصل الابتداء غير معلوم الانتهاء مثل: ان يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة ولم يجعل آخره للمساكين ولا لجهة غير منقطعة فالوقف صحيح عند الجمهور، لأنه تصرف معلوم المصرف عرفا، وينصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف، لان مقتضى الوقف الثواب، فحمل فيما سماه على شرطه، وفيما سكت عنه على مقتضاه ويصير كأنه وقف مؤبد.

وقال محمد بن الحسن وبرايه يفتي عند الحنفية: لا يصح هذا الوقف إذ لا بد من بيان جهة قربة لا تنقطع.

ان كان الوقف منقطع الابتداء، متصل الانتهاء، مثل ان يقف على من لا يجوز الوقف عليه ككنيسة ثم الفقراء ففيه رأيان عند الشافعية والحنابلة.

رأي: أنه باطل لان الأول باطل.

ورأي: انه يصح.

وإذا قيل انه صحيح صرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه.

وان كان الوقف صحيح الطرفين، الابتداء والانتهاء لكنه منقطع الوسط، مثل ان يقف على ولده ثم على غير معين، ثم على المساكين ففيه رأيان كمنقطع الانتهاء، وقيل عند الشافعية والحنابلة: انه يصح وقيل: انه باطل.

وفي حالة جهالة جهة البر التي تم الإيقاف لمصلحتها واثر ذلك على الوقف.

قال الشربيني: لو اقتصر على قوله: وقفت كذا، ولم يذكر مصرفه، فالاظهر بطلانه لعدم ذكر مصرفه، ولو بين المصرف اجمالا، كقوله: وقفت هذا على مسجد كذا كفى وصرف إلى مصالحه عند الجمهور وان قال القفال لا يصح ما لم يبين الجهة فيقول: على عمارته ونحوه.

وقال: ولا يشترط تعيين الجهة فلو قال: وقفت كذا وسكت صح، وكان لورثته من النسب، على قدر ارثهم وقفا عليهم، لان الوقف مصرفه البر، واقاربه أولى الناس ببره، فكأنه عينهم لصرفه فأن عدموا فهو للفقراء والمساكين وقفا عليهم لأنه مصرف الصدقات.

 

إمكانية التحويل

وعن مدى جواز تحويل الوقف من وقف خيري عام إلى وقف اهلي وبالعكس قال: قد يقف الواقف اوقافا على أولاده ثم على جهة خيرية، فهذا الوقف في اوله اهلي، فإذا انقرض أولاده انتقل إلى وقف خيري وهي الجهة التي عينها الواقف، فإذا انقرضت الجهة المشار إليها بالوقف، عاد الوقف إلى أقرباء الواقف عند انقراض الجهة فيعود الوقف اهليا.

وبناء عليه فقد اتفق الشافعية والحنابلة على ان الموقوف يصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى اقرب الناس إلى الواقف، لان مقتضى الوقف الثواب على التأييد، فحمل فيما اسماه على شرطة، وفيما سكت عنه على مقتضاه ويصير كأنه وقف مؤبد، فإذا انقرض المسمى صرف إلى اقرب الناس إلى الواقف، لانه من اعظم جهات النواب، فأن لم يكن للواقف أقارب، او كان له أقارب فانقرضوا صرف على الفقراء والمساكين وقفا عليهم لان المقصود به الثواب الجاري على وجه الدوام.

وفي نهاية الدراسة أكد د. المذكور ان الوقف من محاسن الإسلام، ومفاخر المسلمين فأنه مبدأ يهدف إلى تحقيق الخير وتكريس الاحسان وتحقيق الخير ونشر الاحسان واجب ديني وركن حضاري يتوقف عليه الفلاح والنجاح والله عز وجل يقول: “وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” (الحج: 77)، وقد كان للوقف آثار عجيبة ومنافع لا تحصى.

ومن ثم أقبل عليه الصحابة رضوان الله عليهم منذ فجر الإسلام وتتابعت خطاهم في تأسيسه وتكريسه.

فهذا الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للنبي ﷺ يا رسول الله اني أصبت ارضا بخيبر لم اصب مالا قط انفس عندي منه فما تأمرني به؟

قال ﷺ : “ان شئت حبست أصلها، وتصدقت بها” فتصدق بها عمر، انه لا يباع ولا يوهب ولا يورث (رواه البخاري ومسلم).

وقد بارك النبي ﷺ لأبي طلحة الانصاري رضي الله عنه وقفه حديقة له، كانت أحب أمواله إليه وقال له: “بخ بخ أبا طلحة، ذلك مال رابح” (رواه البخاري).

قال جابر رضي الله عنه: ما بقي أحد من أصحاب رسول الله ﷺ له مقدرة إلا وقف وقفا.

لقد وقف المسلمون اوقافا لا تعد ولا تحصى، وقد شملت اوقافهم جوانب كثيرة من جوانب الخير ونواحي المعروف ومرافق الحياة.

 

كتب مهدي عبد الستار / جريدة الأنباء

Scroll to Top