الأسرة المسلمة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ الله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شرع لنا من الأوامر والنواهي ما فيه قوام أمرنا في الحياة الدنيا، والسعادة والطمأنينة في الدار الآخرة، ونظم لنا علاقاتنا الاجتماعية بما يضمن لنا حياة سليمة آمنة قوية، يعرف فيها كل منا ما له من حقوق وما عليه من واجبات.

وجعل سبحانه وتعالى: أساس هذه العلاقات الاجتماعية الأسرة “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا”.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، كان مثالا يحتذى في تربيته لأسرته فكان مثال رجل الأسرة المسلمة أبا وزوجا، يقول صلى الله عليه وسلم “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد..

فيا أيها الأخوة المسلمين: حرص الإسلام على بناء الأسرة المسلمة التي هي نواة المجتمع المسلم وذلك بأن حدد لكل من الزوجين حقوقه وواجباته، حتى تسود المودة والرحمة بينهما فينعم المجتمع كله بالمودة والرحمة، يقول تعالى “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”، والبيت المسلم يقوم بنيانه على أساس من تقوى الله ومخافته، واتباع أوامره واجتناب نواهيه.

فالزوج وهو الركن الأول في البيت يضفي عليه مهابة واحتراما، وتعليما وتهذيبا ونصحا وإرشادا، يكدُّ ويتعب في تحصيل الزرق الحلال الطيب الذي يقيم أوده ويسعد أهله وأولاده، فإذا آب إلى بيته أخذ يصلح شأنه ويأمر أهله بتقوى الله ويتفقد أولاده، يسألهم عن دروسهم ومذاكرتهم، ويحل مشكلاتهم، وينظم أوقاتهم ويأمرهم بأداء الصلاة ويعلمهم أركان الإسلام “وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، لا نسألك رزقا نحن نرزقك، والعاقبة للتقوى”، “يا بني أقم الصلاة وأمر المعروف، وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور”.

وإذا نظرنا إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم نجده ذلك الزوج الذي يجب أن يقتدى به الأزواج، فهو لا يدخل بيته صائحا مزمجرا حاد المزاج، لا يرد على أحد ولا يسمح لأهله بمناقشته، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان ألين الناس بساما مرحا يدخل على أهله الأنس والمودة.

أنه صلى الله عليه وسلم مع عظم مسؤوليته كان طيب العشرة مع نسائه، حتى كان يتسابق مع عائشة رضي الله عنها.

أيها الأخوة المسلمون:

والركن الثاني في البيت المسلم هو الزوجة الصالحة التي تقع عليها مسؤولية جسيمة وتبعة ثقيلة فهي أم الأجيال، ترعاهم وتحنو عليهم، وترضعهم الكرامة والعزة والأنفة، وتحيطهم بسياج الأخلاق الفاضلة وتحميهم من العادات الفاسدة والأخلاق الرذيلة تشارك زوجها مشكلاته وهمومه، وتسري عنه، وتهون عليه مصاعبه، وتذهب تعبه وتعرف كيف تدير شئون بيتها ولا تكلف زوجها ما لا يطيق، وتدرك أنها بذلك إنما تتعامل مع الله سبحانه وتعالى وتريد الآخرة، وتستحضر قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 28-29)”.

تراعي شريعة الله في نفسها وزوجها وأولادها، يأتمنها زوجها على أسراره فتحفظ سره وتحفظه في نفسه وماله، قدوتها في ذلك كله أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهن أجمعين.

فهذه خديجة رضي الله عنها ساندت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يواجه تعذيب قريش وسخريتهم، وطمأنت فؤاده حينما جاء من غار حراء، وهؤلاء نساؤه عشن معه على الكفاف، صابرات على قلة النفقة ولو أراد لأغدق عليهن النعمة وأغرقهن في الحرير والذهب وأطايب الملذات.

والركن الثالث من البيت المسلم: هم الأولاد بنين كانوا أو بنات ونجد في هذا البيت الطفل المسلم الذي يتعلم القرآن ويفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدرب على تحمل المسئولية، وقته منظم في جده ولعبه، يحافظ على نظافته من خلال تدريبه على الوضوء لا يترك نهبا لما يشاهد ولما يسمع، بل يختار له ما كثر نفعه وعظمت فائدته، يذهب مع أبيه إلى المسجد، ويتعود على مخالطة الكبار فيتفتح عقله، ويتسع ذكاؤه.

وإذا كانت بنتا، فهي تدرب على أعمال البيت، وتثقف فيما يعود عليها بالنفع وتتدرب على لبس الحجاب، كل ذلك يتم بأدب الإسلام ومن خلال تعاليمه، يفهمن قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23-24).

أيها الأخوة المسلمون:

هذا قليل من كثير من ملامح الأسرة المسلمة التي تتربى على منهج الإسلام، عقيدة وسلوكا ومعاملة في أركانها الثلاثة، تتخذ من المربي الأول قدوة صالحة، ومن شباب الإسلام الأوائل منهجا واضحا، وإن منهج الأسرة المسلمة من خلال آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه صحابته منبع صاف يجب أن يدون وأن يبين.

فليعرف كل أحد منا سواء أكان زوجا أم أبا أم ابنا مدى قربه أو بعده من هدي الأسرة المسلمة.

وليساءل نفسه هل عرف كيف يربي أبناءه، ويسعد أهله، ويصل أمه وأباه، حتى يردد مع عباد الرحمن قوله تعالى “والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما”، صدق الله العظيم.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، اللهم صل على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين.

أما بعد: فيقول الله تعالى “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون”.

يحذرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية من النار ويأمرنا بأن نقي أنفسنا وأهلينا من هذه النار.

وإذا كانت الأم تخشى أن يدخل طفلها المطبخ والنار مشتعلة أو يعبث بأشياء خطرة، فكذلك يجب أن يكون خوفها وخوف الأب شديدا على أولاده من نار الآخرة.

والوقاية من هذه النار لا يكون إلا باتباع منهج الله والتزامه على جميع المستويات فكل واحد منا مهما كانت مسؤوليته وأيا كان مركزه لا يخلو أن يكون زوجا أو أبا أو ابنا أو زوجة أو أما أو بنتا، وهذه الآية موجهة إلى الجميع.

فليتق الله كل من أعطيت له مسؤولية توجيه الأبناء وتعليمهم، وليتق الله من أعطيت له مسؤولية ما يشاهد وما يسمع، وليتذكر هذه الآية الكريمة.

أيها الأخوة المسلمون: إن الأسرة المسلمة تقوم على التفاهم والتناصح والتسامح، منهاجها كتاب الله، وميزانها تقوى الله، ومقياسها قربها أو بعدها من هدي رسول الله.

أوصيكم بتقوى الله، وأن تصلوا على رسول الله، قال تعالى: “إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”.

“ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”.

“ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب”.

“ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا”.

اللهم انا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك صلى الله عليه وسلم وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا مريئا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

Scroll to Top