”فاستبقوا الخيرات”

139

يقول الله – سبحانه وتعالى – في محكم كتابه الكريم: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}.

ويفهم من ورود لفظ “خير ” بصيغة العموم في هذه الآية الكريمة أن أعمال الخير كثيرة متنوعة، متعدد الجنبات، واسعة الآفاق، ينال بها المسلم الأجر والثواب من الله سبحانه، ويسعد بها نفسه ويعود بها بالنفع على غيره، ويكون بعملها نافعا لمجتمعه وأمته.

وكل عمل يمسح به المسلم دمعة محزون، أو يخفف به كربة مكروب، أو يشد به أزر مظلوم أو يأخذ بيد فقير ذي عيال، أو يهدي حائرا، أو يعلم جاهلا، أو يدفع شرا عن مخلوق أو أذى عن طريق، فهو عبادة وقربة إلى الله إذا خلصت فيه النية ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى.

والمسلم يستطيع في اليوم الواحد أن يزيد من حسناته، ويضاعف أجره عند ربه إذا عمل عمل خير، ومن ذلك الإصلاح بين المتخاصمين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين…”.

ومن أعمال الخير عيادة المريض وما لها من أجر وثواب عند الله، لما فيها من تخفيف ومواساة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من عاد مريضا ناداه مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا”.

وإماطة الأذى عن الطريق من أعمال الخير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة..”، وعن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “عرضت على أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق”.

وأعمال الخير ليست وقفا على الأغنياء أو الأقوياء أو المتعلمين، وليست مرتبطة بزمن محدد أو مكان معين، ولكنها بفضل الله في حدود استطاعة كل إنسان غني أو فقير، قوي أو ضعيف، متعلم أو غير متعلم.

إن أي مجتمع محتاج إلى الإصلاح والتقويم، والمساهمة في إصلاح المجتمع وتقويمه تكون من خلال منهج الله سبحانه وتعالى، وكل عمل خير يقدم من أي فرد من أفراد المجتمع يكون لبنة صالحة في بناء المجتمع تقوده إلى الخير في دينه ودنياه.

والمساهمة في أعمال البر والخير ينبغي أن تكون منظمة منسقة، تأخذ جميع جوانب الخير المتعددة، اجتماعية وثقافية وتربوية وإعلامية، مرتبطة ارتباطا وثيقا بما حث عليه الإسلام من أعمال الخير في جميع جوانبه.

فإصلاح ذات البين الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم درجته أفضل من درجة الصيام والصلاة له أثر اجتماعي عظيم في سد ثغرة التفرق والتمزق بين أفراد المجتمع.

والبذل المستمر ماديا ومعنويا لتعليم القرآن وتلاوته، والتشجيع على الإقبال عليه وتيسير الكتب الشرعية، وتعميم الثقافة الإسلامية له كذلك أثر ثقافي كبير في حفظ كتاب الله ومعرفة شريعته.

وإيجاد البدائل العلمية والترفيهية النافعة استماعا ومشاهدة وقراءة ونشرها بين الناس بطريقة مشوقة هو كذلك مكسب كبير في ترك ما يتداوله الناس وخاصة الشباب من أشرطة تلهيهم عن واجبهم وتخاطب غرائزهم وتشغل بالهم بما لا يفيد.

إن كل من يقدم فكرة، ويوجد وسيلة، ويزيل عقبة ويفتح طريقا إلى الخير والإصلاح ويشجع العاملين على الخير وفق منهج الله له أجر عظيم وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى.

إن في مجتمعنا – ولله الحمد – مؤسسات خيرية كثيرة تساهم قدر جهدها في عمل الخير في نطاق المجتمع الكويتي، ويمتد أثرها إلى كل العالم الإسلامي، كبيت الزكاة واللجان الخيرية.

وإذا كان الجانب الغالب على هذه المؤسسات الخيرية هو بذل الصدقات والخيرات والمعونات، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وهو جانب عظيم الأهمية، بالغ الأثر، إلا أن الحاجة ماسة كذلك إلى مؤسسات خيرية تهتم بإصلاح ذات البين في المجتمع، وتؤلف بين القلوب، وتزيل الأضغان والأحقاد وتوحد صف المجتمع على الخير.

والحاجة ماسة كذلك إلى العلم الشرعي وبذله وتيسيره بجميع الوسائل الإعلامية وحاجة شبابنا ماسة كذلك إلى البدائل النافعة الميسرة المفيدة المشوقة بما يعود عليهم بالنفع في عقولهم وأجسامهم.

والحاجة ماسة إلى عمل اجتماعي يتناول بناء الأسرة ووقايتها والمحافظة عليها والبعد بها عن التنازع والتفرق وحفظ أركانها وتدعيم أسسها وحل مشكلاتها.

اللهم انفعنا بديننا وحببه إلينا يا رب العالمين، فأنت على كل شيء قدير. د. خالد المذكور