الجهاد مشتق من الجهد أي الطاقة والمشقة، والجهاد هو المبالغة واستفراغ الوسع في مدافعة العدو باليد أو اللسان أو ما أطاق من شيء، وهو ثلاثة أنواع: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة شهوات النفس.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كلام موزن طيب في معاني الجهاد يقول – رحمة الله – “الجهاد إما أن يكون بالقلب كالعزم عليه، أو بالدعوة إلى الإسلام وشرائعه، أو بإقامة الحجة على المبطل – أي صاحب الباطل – أو ببيان الحق وإزالة الشبهة، أو بالرأي والتدبير فيما فيه نفع المسلمين أو بالقتال بنفسه، فيجب الجهاد بغاية ما يمكنه” انتهى.
ويتبين مما سبق أن الجهاد أعم وأوسع من القتال ومن الغزو ومن الرباط؛ لأن لفظ الجهاد يتناولها كلها ولذلك عرف الجهاد في اصطلاح الفقهاء بأنه: قتال مسلم كافرا غير ذي عهد بعد دعوته للإسلام وإبائه، إعلاءً لكلمة الله.
نجد من هذا التعريف أن للجهاد قيوداً:
أولها: أن يكون المجاهد مسلما مؤمنا بأركان الإيمان ملتزما بما عُلِم من الدين بالضرورة.
ثانيها: أن يكون المجاهد كافراً وهو نقيض المسلم.
ثالثها: أن يكون هذا الكافر ليس بينه وبين المسلم عهد، ومن أهم معاني العهد الأمان والميثاق، وقد أوجب الإسلام الوفاء بالعهد والتزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع عهوده تحقيقا لقوله تعالى: “وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم”، ونفى الدينَ عن من لا عهد له فقال صلى الله عليه وسلم “لا دين لمن لا عهد له”، ومن صور التزامه صلى الله عليه وسلم: وفاءه بالوثيقة التي عقدها لليهود عندما هاجر إلى المدينة، وصلح الحديبية وغيرهما.
وحرم الله ظلم المعاهد ووصف الذين ينقضون عهدهم بالخسران في قوله تعالى: “الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون”، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظلم المعاهد بقوله “من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة”، كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقض العهد حتى ينقضي أمده فقال: “من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها”.
وعلى هذا فلا يسمى جهادا إذا كان بين المسلمين وغيرهم عهد أو ميثاق.
القيد الرابع: الدعوة إلى الإسلام قبل قتال الكفار، وقد ورد في الحديث أن النبي كان إذا بعث أميرا على جيش أو سرية أمره بتقوى الله تعالى في خاصة نفسه ومن معه من المسلمين، وقال إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم:
الخصلة الأولى: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
الخصلة الثانية: ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين.
الخصلة الثالثة: فإن أبوا أن يتحولوا عنها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين.




